تعاني قرية دير الأسد منذ عشرات السنين كسائر البلدات العربية في البلاد من أزمة سكن خانقة تدفع الكثير من العائلات إلى السكن في منزل واحد، والبناء العامودي أو استئجار الشقق السكنية في مدن يهودية.
تحولت حياة البعض وخاصة الأزواج الشابة إلى معاناة مستديمة في وقت ينعدم الحل الجذري للأزمة، فيضطر الشباب إلى البحث عن شقق سكنية في المدن اليهودية المجاورة مثل عكا وكرميئيل وحيفا، وذلك في ظل عدم توسيع المسطحات وإقرار الخرائط الهيكلية.
وتشكل أوامر الهدم لمن بنى منهم منزلا مضطرا دون ترخيص بسبب بيروقراطية لجان التنظيم والبناء معضلة كبيرة إذ يتعرض أصحاب المنازل المهددة بالهدم إلى طائلة الملاحقات في المحاكم وفرض الغرامات الباهظة وعدم الاستقرار.
'عرب 48' زار دير الأسد وتجول في بعض أحيائها وأزقتها الضيقة والمهملة بسبب شح الميزانيات والتمييز العنصري شأنها شأن سائر البلدات العربية في دولة تدير شؤونها حكومة يمينية عنصرية.
ضيق وحصار
محمد أسدي، شاب متزوج وأب لطفل، يسكن في الحي المكتظ حيث المنازل القديمة المتلاصقة وانعدام أبسط متطلبات الحياة، يتحدث لـ'عرب 48' بألم 'أن يصبح كل حلمك للسكن في بيت منفرد مع أسرتك هو أمر مؤلم في ظل ما تشهده البلدة من حصار وضيق المكان حتى الاختناق، ونحن لا نملك أي شبر من الأرض للبناء عليها مع انعدام إمكانية شراء قسيمة بناء. نسمع عن منح البلدة قسائم بناء منذ سنوات طويلة وقد أعيانا الانتظار دون أن نرى أي بشرى أو أمل يلوح في الأفق لتحقيق أبسط حلم بالسكن كما سائر البشر'.
وأضاف 'أسكن مع والدي وأخي الثاني الذي تزوج حديثا إلى جانب باقي أشقائي. صحيح أن الحياة مع الأهل فيها الكثير من الإيجابيات والمتعة، لكن حالة الاكتظاظ وضيق المكان والحرمان من الخصوصية هو أمر بالغ الصعوبة فتتحول متعة السكن مع الأهل إلى معاناة يومية بالإضافة إلى إمكانية تربية الأبناء في وضعية أحياء مكتظة وضاغطة هو أمر بالغ الصعوبة'.
أزمة متفاقمة
وقال ساري نعمة لـ'عرب 48' إن 'أزمة السكن تتفاقم من يوم لآخر، أحاول أن أتدبر أمري لبناء طابق فوق منزل أهلي كما فعل أخي الكبير. أشعر بالحزن لأن أبنائي لن يجدوا مكانا للسكن مستقبلا، ليس هذا فحسب، أزمة السكن تدفع بالشباب لترك البلد والبحث عن سكن في المدن اليهودية'.
وأضاف أن 'ما نشهده أشبه بعملية تهجير قسري لأنها ليس خيارا بل نحن نرغم على الانتقال إلى مدينة يهودية بسبب أزمة السكن وانعدام قسائم البناء وانسداد أفق العيش والتطور في بلدة تختنق، وبالتالي على اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية ولجنة المتابعة أن تعطيا هذا الملف الحارق الأولوية القصوى'.
قلق
وأكد الشاب حافظ صنع الله أن 'انعدام الحلول سيكون له أثر بالغ على المجتمع. نحن سبعة أشقاء نسكن بيتا مستأجرا ولا نملك شبرا واحدا من الأرض وهذا يجعلنا نعيش حالة من انعدام الأمل. على الحكومة والسلطة المحلية أن تتحملان مسؤولياتهما بإيجاد حلول للشباب الذين لا يجدون شققا سكنية لأن هذا الأمر أصبح يقلق الأهالي والشباب العرب عامة'.
وقال عبد أسدي إن 'هناك سياسة منهجية لحصارنا والتضييق علينا، لكن السلطة المحلية تتحمل المسؤولية الأكبر وعليها الضغط أكثر على الدوائر والمؤسسات الحكومية، وأعتقد أنها تستطيع العمل والتأثير وتوفير قسائم البناء للمحتاجين'.
وأشار إلى أنه 'على المجلس أن يعمل أكثر من أجل حل هذه الأزمة، وأعتقد أن الاكتظاظ وانعدام قسائم الأرض والحاجة المتزايدة للمساكن لها انعكاسات تربوية واجتماعية كبيرة على الأهالي أي من شأن هذه الضغوطات أن تخلق حالة من المزاج الصعب والاحتقان، والإحباط ينعكس على تعامل الناس فيما بينهم ومن شأنه أن يؤثر على النسيج الاجتماعي مثل مظاهر العنف والمشاحنات وغيرها من الظواهر'.
250 منزلا بدون ترخيص في دير الأسد
وقال مهندس المجلس المحلي، فريد عوض، في تعقيبه لـ'عرب 48' إن 'الأزمة في دير الأسد خانقة وهناك قرابة 250 منزلا في القرية بدون ترخيص وهي مهددة بالهدم. لم يتم توسعة الخرائط في البلدة منذ قرابة 20 عاما علما أنه تم تقديم خمس خرائط ومخطط للتوسعة قبل عام 2000 إلا أنها بقيت عالقة لغاية 2008 بعد اعتراض وزارة الصحة بسبب تخطيط خطوط تصريف المياه العادمة 'المجاري' وبعد أن تم حل هذا الإشكال مع وزارة الصحة تمت المصادقة الأولية على التخطيط في عام 2008'.
وأضاف أن 'قسم الهندسة في المجلس يتابع قضية توسيع منطقة النفوذ بعد إجراء عملية 'التجميع والتقسيم' في هذه المناطق وكذلك اعتراضات المواطنين لتكون آخر المراحل. المخطط الذي أعددناه يشمل التوسعة من الجهات الغربية والشمالية والشرقية للبلدة وسيتم قريبا المصادقة النهائية من قبل اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء عليه وهو يشمل 250 قسيمة للبناء تسوق فقط للمحتاجين، كما أن الإقرار النهائي لهذا التخطيط سينقذ مئات المنازل غير المرخصة والمهددة بالهدم. بالمختصر خلال سنة ولربما أقل سيكون هناك بشرى سارة للمواطنين في القرية'.
وأكد عضو المعارضة في المجلس، رباح طه، أن 'التخطيط سيصادق عليه خلال أقل من عام، لكن هذه المصادقة لن تحل أزمة السكن الخانقة التي ستستمر بالتفاقم، وتوفير 250 قسيمة بناء لن تسد حاجة إلا القليلين من المحتاجين في ظل التكاثر الطبيعي'.
وأضاف أن 'توسعة المسطح في منطقة الأراضي الخاصة لن تحل أيضا إلا القليل من المواطنين لأنهم لا يملكون إلا القليل من هذه الأراضي، ولم يتبق منها أي قسيمة وبالتالي فإن التوسعة يجب أن تقتطع من أراضي الدولة ضمن تخطيط إستراتيجي بعيد المدى يراعي الاحتياجات الحقيقية للأجيال الشابة. وأعتقد أن هذه المشكلة تشمل الغالبية الساحقة من البلدات والمدن العربية، وبالتالي فهذه هي مسؤولية جماعية للجنة القطرية للسلطات المحلية العربية ولجنة المتابعة العليا'.
التعليقات